الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020

المطالعة في الوسط المدرسي

أ- مديحة دبابي

إن القراءة فعل وجودي وجمالي؛ من خلالها يبني القارئ أفقا معرفيا، يحلّق به في أعماق التّاريخ، وأغوار النّفس البشرية، ومجاهل الكون، وغرائب العلوم. ولكن النّاظر للوضع الثقافي في الجزائر يدرك لا محالة تدني مستوى المقروئية، وخضوعها للظرفية والمناسبة، بدل أن تكون واقعا ثقافي، وسلوكا يوميا، وتختلف الأسباب، وتتعدد المعيقات، وتكثر الحلول النّظرية والمقترحات التي تخرج بها الملتقيات والندوات، ولكن عبثا ندفع بمؤشر المقروئية إلى الارتفاع. وبقي واقع المقروئية متدنيا في المجتمع الجزائري، وهذا راجع بالأساس إلى تعطيل/ وتعليق ثقافة المطالعة في حياة الفرد الجزائري.

ذلك أن المطالعة سلوك ثقافي، يربى عليه الطفل، فهي ترافق تنشئته الأسرية، وهذا هو المدخل الصحيح والأساسي للحديث عن المطالعة بتربية الطفل على فتح الكتب حتى تتوسع معارفه، وتتفتح بصيرته، وتصقل مهاراته، وأغلب الأسر الجزائرية ترى أن وجود مكتبة في البيت ترف. هذا إذا لم توضع على نحو من الزينة.

لكن إذا فشلت الأسرة، أو عدمت الحيلة إلى تنشئة الطفل وتربيته على المطالعة، فإن الحمل الكبير يقع على عاتق مؤسسات الدولة، التي تُعنى بتربية وتعليم النشء، من أجل غرس هذا السلوك الثقافي في صفوف متعلميها، لكن مناهج الدراسية –خاصة ج2- لا تشجع على القراءة، ولا تحبب المتعلّم في المطّالعة، والكثير من المنشغلين بالشأن التربوي والتعليمي ينبهون إلى خطورة حذف حصة المطالعة من البرامج التعليمية، بل هذه الأخيرة بنت علاقة نفعيّة بين المتعلم والكتاب، نصوص لا تستفز القارئ ولا تحفزه على استشكال ونقد ما يطرح أمامه، لا تثير فضوله المعرفي، ولا تقدّم له حلولا أو رؤى لمشاكله الراهنة، عدا أن أغلبها مازال مسكونا بالماضي الثوري، في مقابل إهمال مشاغل الشباب الراهنة، رغم أنها مناهج تتبنى المقاربة بالكفاءات، ولكن لم تتوفر لها البيئة المثلى لتطبيقها على نحو ناجع، خاصة مع تفاقم أزمة الاكتظاظ، اكتظاظ البرامج واكتظاظ الأقسام، اكتظاظ يوم الطفل بساعات طويلة على مقعد الدراسة، ولهذا لن نصل إلى بناء فرد قادر على مجابهة الواقع بكل تعقيداته وتشابكاته، كما تطمح المدرسة الجزائرية. رغم أن الجزائر كانت حريصة وسباقة للنهوض بالتعليم، لكن نفتقر للآليات الناجعة للتغيير. وفي أغلب المؤسسات التربوية توجد مكتبات، لكن لو سألت أستاذا عن العناوين الموجود بها قد لا تجد أغلبهم على علم بها، بل لا يتدخل حتى في اختيار العناوين، ولا يعرف منهجية تدريسها.

أما الوسط الجامعي فالحال فيه لا يختلف كثيرا عن غيره؛ ففي عصر العولمة حيث التخمة المعلوماتية، نلمس عزوف معظم الطلبة عن المطالعة، فيتكاسل بعضهم عن فتح الكتب، ويلجأ إلى الجاهز المتوفر على الشبكة العنكبوتية، أوتسوّل الفكرة البحثية من أساتذته، بدل اقتحامه عالم القراءة، واستشكال ما يثير فضوله العلمي.

ورغم هذا لا يمنع من التفكير في حلول عملية للدفع بعجلة القراءة قدما في حياتنا الثقافية، بمحاربة تلك الكتب الرديئة التي تنشر البلاهة وتعطل عمل العقل، والتي أغلبها عبارة عن حلول جاهزة، وكأن المعرفة مومياء محنطة .

 والانفتاح على تجارب رائدة من جيراننا التونسيين، حيث نصبوا لجنة وطنية للمطالعة، وأنجز أعضاؤها (وهم من المتفقدين التربويين) شبكة معايير لاختيار آثار المطالعة، بما يضمن تجنب الاختيارات العشوائية والمحسوبية والولاءات السياسية، وقاموا بجرد عناوين كل المكتبات المدرسية بالبلاد، ثم بناء شبكة مطالعة اعتمادا على البرامج الرسمية، من خلال تكليف الأساتذة بقراءة العناوين المحددة لكل مستوى دراسي ومقارنتها بتوصيات الشبكة، وتحديد ما يستحق أن يبقى في كل مستوى تعليمي، وما يجب أن يرحل إلى مستوى أخر وما يجب إلغاؤه، مع الدعوة لاقتراح عناوين تتناسب مع الشبكة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق